لقد عقدت النية على صيام شهر كامل، فلا بد من أن تكون على بيّنة وافية بالظروف التي سيمر بها جسمك. فالصيام محطة حياتية غنية على أكثر من صعيد. إذ يشكل الامتناع عن الطعام والشراب طوال النهار، امتحاناً قوياً لبيولوجية الجسم كونه ينتقل من نظامٍ يوفر الغذاء بواسطة عدد كبير من وجبات الطعام، إلى نظامٍ يقوم على وجبتين رئيسيتين متباعدتين السحور والإفطار. وسيستمر ذلك النظام مدة طويلة
والصيام يجعل العادات الغذائية تحت المجهر. ولعلنا من الناحية الفيزيولوجية نستطيع التمييز بين مرحلتين الأولى تستمر نحو ثلاثة أيام، ويتأقلم خلالها عمل الجهاز الهضمي والنظام الهرموني على التوقيت الجديد لوجبات الطعام. والمرحلة الثانية تستمر حتى نهاية شهر رمضان
ومنذ اليوم الأول الذي لا يأكل فيه المرء فطوره الصباحي، ولا يجد جهاز الهضم شيئاً ليهضمه، وهو الذي قد أكمل للتو امتصاصه للمواد الغذائية التي استهلكها في عشاء الليلة الفائتة، سيجد نفسه تحت ضغط الحاجة إلى إمداد من الطاقة بعد أن انخفض مستوى السكر في الدم، وهذا أمرٌ جلل. ونقص في امداد الماء، وهذا أيضاً أمرٌ جلل. فيضطر الجسم مواجهة التغيرات بما توفر له من طاقة ومؤنة وعافية. فيعمل على إرساء توازن جديد يضمن انتقالاً سَّلِساً من استهلاك الغلوكوز كمصدر وقود إلى استمداده من الدهون. فتتبلور مسارات رديفة لانتاج الغلوكوز عبر الأحماض الأمينية والأحماض الدهنية. إلّا أن المستوى المنخفض من الأنسولين في هذه الفترة، يساعد على حرق الدهون مما يحافظ على لأحماض الأمينية، وهي الأساس في بناء وتجديد الخلايا والأنسجة
وتحسباً من قلّة الموارد تتفعّل آليات الحماية عن الذات، بأن يعتمد الجسم تقنيناً لاستعمال الطاقة وتباطؤاً في عمل الوظائف العضوية المختلفة. فالهدف الأسمى هو المحافظة على الإنزيمات والهرمونات وعلى المواد الأولية النادرة
ونستطيع تلخيص حال الجسم في هذه الفترة من التأقلم كالأتي: يتأثر نوم الصائم ويعيش نوعاً من الاضطراب والقلق وسرعة في الانفعالات، ويشعر بالتعب وقد يشكو من الصداع والغثيان والحموضة المعوية. بالمقابل، يؤدي الصوم إلى تحفيز الأنشطة الهرمونية، فترتاح وظائف الجهاز الهضمي من أعمال تخزين المغذّيات، ويأخذ باستهلاك المُدَّخرات من الشحوم وتتسارع عمليات تنظيف الأمعاء والكبد والدم للتخلص من الفضلات والسموم المتراكمة
لكن الصورة الايجابية لفوائد الصيام تبقى صورة علمية نظرية. في الواقع الحياتي » إنما أعمالكم تردّ إليكم فلا نلومن أحداً سوى أغلاط ارتكبناها في غذائنا“. هذه الحكمة ذكرها كمال جنبلاط في كتابه ”العلاج بعشب القمح“. وهي تشير إلى سلوكيات وعادات غذائية لا نرضى الكثير منها ، بل ونعتبر بعضها سيئاً كالنهم الزائد للحلويات وقصر الغذاء على ألوان محدودة من الطعام، وحشو المعدة واستهلاك المشروبات المحلاة والغازية…
وقد يفيد النظر بعيون ترصد السلوك الغذائي، قبل وخلال وبعد شهر من الصيام، لكي يتمعّن المرء بكل تفصيلٍ يجعل نهار الصوم أكثر يسراً وأقل تسبباً في إرهاق الجسم. فالغذاء سلوك وثقافة. وعادتنا الغذائية تحتاج دائماً لاعادة نظر بحيث نُبعد الضًار منها ونعتمد النافع
وإذا كانت مناسبة الصوم فرصة لتدريب النفس وتهذيبها عبر التحكّم بالإرادة على المغريات. فعلى النظام الغذائي في رمضان أن يكون متوازناً ويشتمل على كميات مناسبة من السكريات والدهنيات والبروتينات والفيتامينات. وأن نُعمل العقل لا الأحاسيس في اختيار الأطعمة التي تكون سهلة الهضم. ولا يحتاج الصائم الى الإفراط في الطعام. فإن أفضل نظام غذائي للصائم هو ذاك الذي يضعه المرء لنفسه ويصنّعه بنفسه، ويكون مستنداً إلى معرفة موثوقة. فهل أعددت العدّة الكافية لصيامك؟
Une réflexion sur « هل أعدّدت العدّة لصيام صحي؟ »
Les commentaires sont fermés.