لم تعد ذاتي تحب « هنا » بعد أن تركت بالفعل « هناك ». في ال »هنا » مشاهد من طفولةٍ عابقةٍ بالحنان وذكريات شجرة التين التي سكنت إليها في الصبا. وكنت في ال »هناك » ذاك الشاب المقبل على حبّ الدنيا أشدّ الحب والذي ينغمس في الغربة والتأقلم
وبعد أن حامَ الفتى في فضاءٍ رحب وغاص في اغترابه حتى الثمالة وهو يحاول الخلط والتهجين، أُصيبت بوصلته بحيرة أقام فيها لدرجة خلخلت لغته الأم، فصار يخفي قلقه المتعاظم بأغطية سميكة. ويُداري إنفصامه خوفاً من تفلت مجنون
اذا رجعت بجنّ/ وإن تركتك بشقى/ لا قدراني فلّ/ ولا قدراني إبقى
كنت أعيش حياتي في وبين وطنين. لكن بعد أن تقاعدت وصار سؤال العمر صعباً. أردت كسر حال التغرّب الجغرافي ورجعت إلى « هنا » الوطن الأول. وأتذكر.عزيزاً من الأصدقاء قصدني للسؤال: ما الذي يدعوك للسباحة خارج التيار والعودة إلى بلاد يهجرها الناس؟ لم أجد في جعبتي سوى حجج وجدانية وعناد طفولي
هكذا حياتنا نسوقها حيناً وتسوق بنا في أكثر الأحيان. فبعد أن عشت”الغربة“ خارج الوطن الأصلي عُدتُ إليه وصرت أَعيشها فيه
إلى أن… انكمش عندي الوطن واستحال فكرة محايدة وخالية من المشاعر. وكان أن تشابهت الليالي وعانق الأرق سريري. وبانت الحقائق عارية، فشجرة التين لم تعد موجودة وما تبقى من الشجر لم يعد يحفّز خيالي …الوطني
كُتب في 9 يلول 2019