لست من هنا ولن تصير من هناك
وكنت قد كاتبت صديقاً ووصفت له حالي بعد سنوات غربة عن الوطن: « أخذوا لي الكنز » يا صديقي وما زالوا « يسرقونني » . (بالإذن من آل الرحباني). جربت التشفّع بنظرية التهجين فلم أجد غير حقيقة مرّة : أني لست من « هنا » ولن أصيرَ من « هناك » بل أنا تائه في هذا الوسط الغامض حيث الحيرة لا تنضب
وكان شيخ المتصوفين ابن عربي، بعد ان قال ما قاله عن قلبه الذي صار قابلاً كل الصور الدينية على تمايزاتها، قد افتى : أدين بدين الحب أنّ توجهت ركائبه فالحب ديني وايماني ».
وكنت له من التابعين.
جرجرت حقيبتي وهممت الى العبور ولم أجدك خلفي.
بقيتِ على الضفاف. فوقفتُ على الحافة المقابلة أناديك: لا تخافي البلل
فإني أرى فيك كل صفات الحبيبة: عشيقة وخليلة وبوصلة دروبي المعلّقة
فتعالي بلا توجس ننصت إلى همس الأشجار ونرصد النجوم ونتسلى
رفاق الأمس
حضرني غيابكم وكانت فرصة فتحت أبواب الذاكرة والذكريات.
معكم صرختُ في الوادي وغنيت في الشوارع. معاً ضحكنا وعبسنا. ومعاً ناضلنا واستقلنا وأمسينا أفراداً كلٌ في غييهِ يَقبعُ
عَبثت الغربة بالعهود والاواصر والأحلام… فأخذنا نبحث عن ذواتنا على ضفاف تقاطع الحضارات وفي سوق الانفصامات. وصرنا نبتاع خلطات الثقافات والعادات.
واستعصت أحوال على علماء النفس والاجتماع بعد أن استشرت الفرداوية وامتزجت بالحسرة الجماعية وبات واحدنا يعالج ضجيج حنينه في السرّ
كأن تدجيناً سرى… أحال الذلّ قوتاً يومياً تشغلنا مقاومته عن الرؤية
وكأن الكلمة باتت بلا معنى ولا مبنى ولا تشفي الغليل