نرانا نأكل بدون نظام أو انتظام. وصرنا بعيدين عن نظام الثلاثة أو أربعة وجبات رئيسية الذي يوائم توقيت العمل الاجتماعي. وساعدت ظروف العيش في المدن وضيق الوقت المخصص لتحضير المأكولات المنزلية، في خلخلة عميقة للنظام الغذائي للأفراد. فالسكن البعيد عن العمل، والمواقيت المختلفة للعمل، والعيش ضمن عائلة صغيرة وتوسع عمل المرأة، واللجوء المبكر إلى حاضنات الأطفال، كلها عناصر جعلت التوجه إلى طعام جاهز أو يجهز بسرعة، أمراً شائعاً
:لنرسم الصورة عند الأفراد
يخرج صاحبنا من داره « عالريق » أو بالكاد « يزلط » فطاره الصباحي، ونجده عند الظهيرة يأكل « عالواقف » سندويشه الجاهز أو البيتزا ثم يُكمل صاحبنا رحلةَ خداعه للشهية بواسطة لقمات عشوائية أو وجبات خفيفة متقطعة كيفما اتفق. وحيث من المفترض أن نأكل وجبة رئيسية، فإننا نحوّلها إلى طبق يجمع ويخلط مكونات غذائية عدّة
صاحبنا المنقّرش يجد نفسه على الدوام أمام منتجات يُمكن استهلاكها خارج أي شعور بالجوع، أي أطعمة غنية بالسكر والدهنيات وذات قيمة حرارية عالية. لكنها لذيذة وتتمتع في الوقت نفسه بقيمة عاطفية كبيرة
…ونقع في الفخ
والصورة أن الانسان ”المعاصر“ الذي يعيش مع قلقه الوجودي وضغوطات الحياة بات يجتّر الغذاء، ويبحث عمّا يثير شهيته من المأكولات، عن النكهات المتجددة والمخترعة التي تؤجج اهتياجه الغذائي. وهذه هي الشراهة بعينها التي جعلت آدم يفقد براءته. وإذا كان عنده ميلاً طبيعياً للأحاسيس وتعود به غريزته الى الملذات. فلا عجب أن يتخلخل خضوعه للقواعد التي يعتمدها المجتمع. وأن يصبح النهم سلوكاً مقيماً يتعدى بطبعه الافراط في الأكل، ليصبح افراطاً في شرب الكحول والتدخين وفي كل شيء. وقد يتضاعف هذا السلوك لتعويض احتياجات جنسية غير مستوفاة. ونرى المُصاب بالنهم على مقربة من موائد الأعياد، يلتهم كميات كبيرة من الطعام. وبعدها، نلقاه وهو يشكو من التخمة وعسر الهضم
ومن المفيد الإشارة والتذكير، أن هناك ساعة بيولوجية للجسم، وهي ليست واحدة، لكنها تخضع لإيقاع يومي ضمن دورة 24 ساعة، دورة الـضـوء والظلمة، وتضع وتيرة محددة للإفرازات الهرمونية. هذه الساعة تضبط عمل كل أجهزة الجسم ومنها الجهاز الهضمي. المواقيت محسوبة وغير عشوائية للهضم، ويُقتضى احترامها. أما حين ننقرش أو نأكل بلا حساب فإننا نُعاند، وبشكل مكرر، نظام التوازن الداخلي لعمل الجهاز الهضمي. ولذلك عواقب صحية كثيرة يعرفها جيداً الأطباء والمرضى. والعبرة في أن يُولي الناس حرصهم على سلوكيات وعادات غذائية صحية، يحترمون فيها مواقيت منتظمة للأكل، ويحسنون اختيار الطعام وضبط كميته