الضحك عنوان للسعادة ويُعدّ من أساسيات الحياة. هو تعبير طبيعي يظهر على الملأ في صورة مرحة ومفرحة. ويتمثل على شاكلة سلسلة من الزفير المتواتر الذي يُخرج الهواء من الفم دون استعادة النفَس. ويرتبط ذلك بتقلصات لعضلات الوجه، وأصوات غير منتظمة، صادرة عن الحناجر تكون حادة ومرتفعة لدى النساء وغليظة لدى الرجال
عندما يضحك الإنسان تتحرك 17 عضلة في الوجه و80 عضلة في الجسم بطريقة لا إرادية ومتكررة. ويكون ذلك بمثابة رياضة طبيعية ومجانية للعضلات، تُفضي الى تبدلات في شكل الوجه أحصاها الباحثون ب187 شكلاً
يبدأ الطفل الرضيع في الإبتسام. ويتكسّب مهارات فيه بعد بلوغ أربعة أشهر من العمر. والإبتسامة أول وسيلة تعاطي مع الآخرين. ونتعلّم مع الوقت تمييز الإبتسامات: لملاطفة الآخرين، للتشجيع.. للسخرية أو.. للإغراء
وقيل في الضحك
أنه « ينشأ نتيجة لوجود التناقض بين المفهوم والمعنى الحقيقي الدفين الذي يقدمه هذا المفهوم »(هيغل). وهو « ظاهرة، وظيفتها إطلاق الطاقة النفسية » (فرويد). وقد يكون «شيطاني» كما وصفه شارل بودلير. هذا ووردت مادة الضحك في القرآن الكريم 10 مرات مزجت المفارقة بالبلاغة والمقابلة بالطباق. وإضاف رسول الإسلام (صلعم) وكان كثير الإبتسام: « تبسّمك في وجه أخيك.. صدقة » و« روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلّت عميّت ». أما جبران خليل جبران فقد قال:« لا تستطيع أن تضحك وتكون قاسياً في وقتٍ واحد». وعن مجهولٍ حكيم، علّق على حال العلاقات الإجتماعية وما يصاحبها من توترات عصبية. بالقول : أن الحياة بغير ضحك عبء ثقيل. فهو سلاح ودواء رخيص غاسل للأحزان. وحاجتنا إليه اليوم، في أقصاها بعد أوضحت الأبحاث أن « على المرء أن يكون مضحكاً كي تفضّله النساء.. »
والإبتسام أول مراتب الضحك، ولكل شخص طريقته وبصمته الضاحكة التي تكشف شخصيته. هذا يضحك وهو يغلقٌ فمه وجسمه يهتز.. وذاك بصوت مرتفع مطلقاً قهقهات وضوضاء من حوله.. وهناك من يضحكك وهو يميل برأسه على كتفه أو يرمى برأسه إلى الوراء هذا وتبقى لغة الضحك موحدة بين البشر
يداهمنا الضحك عندما يتعرض المرء لموقف هزلي، ويأتينا كرد فعل، نتيجة خبر أو سماع نكتة أو عند مداعبة جسدية… وما أن يُثار الضحك تنتشر موجته بسرعة.. لأنه عاطفة اجتماعية تقربنا من بعضنا البعض، بغض النظر عما إذا كان الشيء مضحك فعلاً. والإضحاك يتطلب سرعة البديهة من صاحب الهزل والمتلقي معاً. ولا يستجيب الناس جميعهم للنوادر بنفس الدرجة، فلكل نوع من النكات جمهورها. بعض الأشخاص لا تضحكهم الا النكات الماجنة والبذيئة، بينما الاخرون لا تضحكهم الا النكات الذكية ويرفضون ما عداها..وتشكل روح الدعابة أنجع الطرق للتقرّب من الناس وللتعارف وإقامة العلاقات. وأنت عندما تضحك مع الناس، فإنك تظهر لهم الحب والصداقة
وتُقَدم لنا الثقافة الشعبية لنا أنواعا من التعبير الفني الهزلي بعضها أساسه الحكي والرواية وبعضها الآخر يعتمد التعبيرات الجسدية. وهناك نماذج اجتماعية مضحكة فيها المجنون والأحمق والمتحامق والمهرج. ونجد في التراث العربي فيضاً من القصص الطريفة والنوادر. نذكر منها ما ورد في كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني وكتابات الأدب الساخر ومنها الجاحظ في نوادر البخلاء ونوادر جحا.. وكذا في الشعر والنثر والكاريكاتير الساخر والمقالات المرحة، ولا ننسى طُرف الحكايات ومُلَح الأخبار التي تملأ سهرات السمر
عدوى الضحك
يكشف المسح الضوئي لتفاعل الدماغ مع الضحك، تأثر المناطق الدماغية المسؤولة عن تقليد سلوك الآخرين. قد يكون ذلك التقليد العصبي هو ما يجعل الضحك مُعدياً. أي أن ضحك شخص معين يحفز على ضحك الآخرين. وأشار باحثون أننا نضحك ما نسبته ثلاثين مرة أكثر عندما نتشارك الضحك مع شخص آخر
ويلعب الممثل الهزلي والمهرج بنجاح على هذا الوتر. وعندما يكون عدد الناس كبيراً، تنتشر موجات الضحك المعدية بسهولة، خصوصاً في الأماكن الفسيحة والكبيرة. وتصير أصوات القهقهة وتنويعتها مضحكة بحد ذاتها.. وقد يحفز استنشاق بعض المواد الكيميائية مثل البروتوكسيد الآزوت أو « الغاز المضحك » على إطلاق نوبات من الضحك الهستيري والتي وقد تنشأ أيضاً، بعد شرب الكحول أو تعاطي الحشيش. ويؤدي حالة الضحك الهستيري لإطلاق الدموع وبعض الآلام البسيطة في العضلات
من الناحية الفيزيولوجية، يعتمد الضحك على مسارات عصبية متصلة بالدماغ المتوسط والخلفي. وتكشف أبحاث حديثة ارتباط الضحك بتنشيط القشرة الأمامية الوسطى للدماغ. خلال الضحك الذي يأخذ وقته، يكون التنفس أكثر عمقاً ، فيستنشق الشخص نسبة عالية من الأوكسجين وتتوسع الشعب الهوائية، فيما تجري عملية التغيرات الكيماوية داخل الخلايا على خير ما يرام وتنشط الدورة الدموية. كما وتنخفض مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين. وتتضافر شروط إفراز هرمون السيروتونين المرتبط في الشعور بالسعادة. وهرمون الميلاتونين الذي يُحسّن نوعية النوم ويُفيد في علاج الأرق. ومن الملفت أن القهقهة تساعد على زيادة الإندورفين والذي يعمل بنحو أفضل من المورفين على تخفيف الألم
فوائد الضحك كثيرة جداً، نوجزها بأنه يجدد طاقة الجسم ويقوي عضلاته كما ويمنح السعادة والسلام النفسي. وبات شائعاً استعمال الضحك كوسيلة علاج. وإليكم بعض الأمثلة: توصل العلماء الى أن الضحك مائة مرة يساوى في تأثيره ما يُبذل في ممارسة الرياضة على العجلة لمدة 15دقيقة. والى أن الضحك المتواصل لمدة لا تقل عن 15 دقيقة تحرق 50 من السعرات الحرارية، مما قد يساعد وبشكل طبيعي على تخسيس الوزن
ويعمل الضحك كمسكن طبيعي للألم، ثبت ذلك في دراسة أجريت في جامعة اكسفورد أن الأشخاص الضَحوكين لديهم القدرة على تحمل المزيد من الألم بنسبة 10 % مقارنة بباقي الأشخاص الذين لا يضحكون كثيرا
ويقوي الضحك جهاز المناعة في جسم الإنسان، وينشط الغدد الليمفاوية التي تهاجم الخلايا السرطانية فضلا عن بروتين غاما- أنترفيرون المضاد للفيروسات
ويعمل الضحك على تشغيل الحجاب الحاجز وهو بالتالي وسيلة سهلة غير مكلفة تساعد على شد عضلات البطن وتجنب ترهلها
ونشير أن “ملك الضحك” بيلاشوا غيرما صاحب أطول ضحكة في العالم أدخلته موسوعة جينيس، بعد أن استغرق في الضحك مدة 3 ساعات و6 دقائق بدون توقف. كان قد أنشأ مدرسة لتعليم التلامذة الضحك في العاصمة الإثيوبية. وذلك بهدف تهدئة الأعصاب والعلاج النفسي للأطفال. ويشكل الضحك افضل وسيلة لمقاومة التوتر العصبي ولمطاردة الأفكار السوداء. ويعرف المصابون تأثيراته النافعة، لأنه يخلق حالة إيجابية للعقل تجاه الحياة. ويقلل من فرصة الرضوخ لمشاعر الاكتئاب واليأس. ويعطي الشخص الثقة بالنفس ويخرجه من دائرة التحفظ. وينمي قدراته على التحدث وعلى روح المشاركة الجماعية. ويساعد على زيادة اليقظة وتنشيط الذاكرة. بالإضافة الى أنه يجعل المرء يبدو أكثر وسامة
وبات شائعاً اللجوء في مراكز العلاج المتخصصة إلى استقدام مهرّجين للتسلية والترويح عن النفس. وتستخدم برامج الترفيه والأفلام والروايات التي تشجع على ضحك المريض. وجرت تجارب أن يقوم الطبيب بإعداد « ملف محفزات الضحك » لمريضه، وذلك بجمع المعلومات التي تحفزه على الضحك من مواقف ونكات يفضلها
وهناك أسلوب علاجي يعتمد على التأمل. وهو عبارة عن تمرين يستمر مدته حوالي (15) دقيقة ويتكون من ثلاث مراحل. الأولى هي مرحلة الإطالة. حيث يقوم الشخص إلى إطالة كل عضلة من عضلات جسده بدون ضحك. والمرحلة الثانية، يبدأ الشخص بالابتسام حتى يصل تدريجياً إلى الضحك العميق الذي يصل الى هزهزة المعدة. وتكون المرحلة الثالثة أو مرحلة التأمل، حيث يتوقف عن الضحك ويُغلق عينيه ويأخذ في التنفس بدون صوت مع تركيز شديد
ولا ننسى « يوغا الضحك » التي تستوحي اليوغا التقليدية. وتقوم على تمارين تستمر لمدة (30-45 دقيقة) تتضمن تنويع التنفس والإطالة به بالتوافق مع ممارسة الضحك
باختصار الضحك هو سلاح ودواء لمعالجة ما نعيش من توترات عصبية. والحياة بغير ضحك عبء ثقيل لأنه يغسل الأحزان، وحاجتنا إليه اليوم في أقصاها. فابتسم واضحك عليها تنجلي