أثبتت الانتخابات النيابية على امتداد تجربة النظام السياسي الطائفي أنها لم تنتج شعبأً موحداً في تطلعاته للمستقبل. بل أثمرت أطقماً سياسية أدارات وفاقمت حروباً عبثية موسمية. وكانت الايديولوجية « التوافقية » سلاحها المفضل الذي يساعدها على إعادة انتاج نفسها وتجديد النظام المقيت. قد نفهم لماذا « الخارج » لا يريد تغيير النظام الطائفي الذي يؤسسه قانون الانتخاب، وقد نفهم أيضاً، أن لا مصلحة للطبقة السياسية المافوية أن تتخلى عنه، لكن ماذا عن موقف الذين أعلنوا مواطنيتهم التامة وخرجوا عن طوائفهم في الإسبوع الأول من انتفاضة 17 تشرين؟لا تغيب عندهم أهمية قانون انتخابي يحفظ صحة تمثيل المواطنين. لكنهم اسستسلموا باكراً لفكرة عدم القدرة على تعديله. استنكفوا حتى عن القيام بحملات اعلامية توضح وجهة نظرهم. صحيح، هم لا يُجمعون على تصور واحد، لكنهم لم يستفيدوا من المناسبة لتبيان تصوراتهم وفرز المواقف في مسألة مصيرية كهذه. على الرغم من أن القانون المزمع اعتماده يُهمش فكرة المواطنية. ويطيح بآلية عمل سياسي نبيل يفترض تحالفات سياسية تُبنى على برامج. والقانون العتيد يُجدد نظام المحاصصة. ويحصر المنافسة على عدد من المقاعد. بالإضافة إلى أنه يجوّف النسبية. ويحصر الصوت التفضيلي في القضاء. ويعتمد الترشيح الإفرادي قبل تشكيل اللوائح. كما يستبعد إصلاحات جوهرية تخص حقوق المرأة والشباب ورمى جانباً حق الإقتراع في مكان الإقامة.كان الأجدر بدعاة التغيير والذين حملوا راية « الثورة » الاتفاق على اقتراح قانون جديد، يلحظ مسلمات عريضة مثل مجلس نيابي خارج القيد الطائفي ومجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف. قانون يكون أساسه النسبية والدوائر الموسعة أي ما يُشجّع الخطاب المعتدل الذي يتأتى عندما يضطر المرشح بالتوجه الى اللبنانيين على اختلاف مذاهبهم. لكن قسماً منهم دخل في خضم سياسةِ قضم مقاعد نيابية. وهي سياسة جُربت، لم تنفع سابقاً ولن تنفع هذه المرّة. هؤلاء يقبلون اليوم، المشاركة في مشهدية غير مشرّفة تضيع الفروقات بينهم وبين أهل السلطة. وينشغلون بتفاصيل الحاصل الانتخابي والصوت التفضيلي. بعضهم يستعمل الأموال وخطابات شدّ عصب القطيع على غرار ممثلي أحزاب الطوائف، كما يرصد مثلهم حركة العائلات داخل كل دائرة انتخابية. وللأسف، ساهم هذا البعض في استباحة معاني الصدقية والمصداقية. أي بما يحتاجه العمل السياسي المواطني الجاد الذي يُحدث تغييراً حقيقياً في المجرى السائد. وقد يسأل أحدكم عن البديل؟ جوابي المتواضع، أن البديل يسكن في قلوب الناس الموجوعة وفي ضمائرهم التي تعي أن شرعية التمثيل الآتية وفق قواعد طائفية ومذهبية تبقى شرعية منقوصة ولا تمثل اللبنانيين بصفتهم مواطنين. وبرأي أنه من الأهمية بمكان اعلان موقف مبدئي يلائم جوهر العمل السياسي لقوى تحارب الطائفية. لكن على ما يبدو، ستشهد العملية الانتخابية ترشّح أطراف وأفراد يستحقون الدعم والتأييد. لذا ولتلافي عدمية الدعوى للمقاطعة الشاملة، أدعو للإقتراع حصراً لأصحاب الأفكار والمواقف من خارج النادي الطائفي الذين عرفتهم ساحات النضال، وتطابقت أقوالهم غير الطائفية مع أفعالهم، وعُرفوا بعدم تأتأتهم في اعتبار الصهيونية عنصرية، والذين بالتأكيد تميّزوا بكفاءة عالية ونزاهة وجرأة.
نشرت هذا البوست على الفيسبوك في 9 تشرين الثاني 2021 .