الشراهة أو النهم سلوك مقيم ٌ في النفس يتعدى بطبعه ا لأكل. والشراهة حيال الطعام بارزة للعيان. ارتأيتُ لمقاربتها ابتداعَ شخصيةٍ مميزة أسميتها : الإستاذ غلطان
صاحبنا الإستاذ غلطان يغلط في كل شيء… يجلس غلط ويدخن السجاير والأركيلة، ثقيل الهمة ولا يمارس حتى البسيط من الرياضة … باختصار، يقوم على مدار الساعة بسلوكيات ضد صحته
:نتخيّله اليوم يلبي دعوةً للعشاء. وستكون بالطبع الوليمة عرمرمية وعلى قد المقام
جلس الإستاذ غلطان الى المائدة في موقع اعتبره استراتيجياً، فقد التقطت بوصلته مكان الطبق الرئيسي، فتحايل أن يكون طبق اللحومات على مرمى يده اليمنى. اللحومات، حبيبة قلبه. فهو تعّلم ومنذ الصغر أن منّ يأكل منها الكثير ُيكافأ باللذيذ من… الحلويات
وبعد نظرة اجمالية الى الخيارات المتجسدة في أطباق المقبلات والتوابل. أطمأن الى وجود المشروبات الغازية، لأن من عادة الإستاذ غلطان ارتشاف مجًة غازية بعد كل لقمة أو لقمتين
لم ينتظر اكتمال النصاب حول المائدة. فنراه يملأ صحنه بما لذّ وطاب. استبعد مؤقتاً بعض الأصناف، تركها لجولة ثانية. وانشغل عن أصحابه وأحاديثهم وهو يزدرد اللقمات بسرعة كبيرة، دون علكٍ ومضغٍ كافيين. ولا يستطيع الإستاذ غلطان تقطيع الطعام وطحنه لأنه لا يهتم بصحة أسنانه، ويتناسى أن هضم الطعام يبدأ في الفم وأن التأنّي وتذوّق مكونات اللقمة يفسح للُعاب لعبَ دورهُ الطبيعي في تفكيك المكونات الغذائية
وكان بين المدعوين خبير في شؤون الناس علّق على طريقة زلط الإستاذ غلطان للطعام قائلاً أنه من المستحسن أن يتعّود المرء على المضغ البطيء. فقمّ بالعدّ في ذهنك فور ادخال اللقمة الى الفم، الى العشرة مثلاً عندما تأكل الخضار، والى العشرين عند أكل اللحم، وبقدر ما تشاء عند علك اللبان
تابع الإستاذ غلطان حشوَ معدته ولم يتوقف عن زيارة المائدة . وبعد أن حلّ زناّره مدى حلقتين سامحاً لمعدته بالتمدد بعد أن أعاق الحشو حركتها
وما هي إلا استراحة قصيرة حتى جاء دور الحلويات، فناله منها نصيبٌ عظيم. لكن بعد فترةٍ قصيرة، بدأت عقبات الحشو العشوائي بالظهور لأن صاحبنا أُصيب بالتخمة، وصار يشكو من أعراض عسرِ الهضم من انتفاخ ومغص وقرقرة. فأُضطر الى ترك الوليمة على وجه السرعة تحت وابل من النصائح: لماذا أكلت كذا. ولماذا شربت ذاك. ألا تعرف سيئات إلتهام الطعام الكثير الدسم. ألم تسمع وصايا العارفين عن ضرر كظّ المعدة ولقم الجِمال. كان بإمكانك الأكل ببطء والسيطرة شراهتك المفرطة. فالأجداد كانوا يعيشون على الفطرة أي يأكلون فقط، عند الجوع