mars 14, 2025

Ecrits sur Facebook

Spread the love

  لست من هنا ولن تصير من هناك

وكنت قد كاتبت صديقاً ووصفت له حالي بعد سنوات غربة عن الوطن: « أخذوا لي الكنز » يا صديقي وما زالوا « يسرقونني » .  (بالإذن من آل الرحباني). جربت التشفّع بنظرية التهجين فلم أجد غير حقيقة مرّة : أني لست من « هنا » ولن أصيرَ من  « هناك » بل أنا تائه في هذا الوسط الغامض  حيث الحيرة لا تنضب

جرجرت حقيبتي… هممت الى العبور  ولم أجدك خلفي
بقيتِ على الضفة الأخرى. فوقفتُ على الحافة المقابلة  أناديك:  تعالي لا تخافي البلل
إني أرى فيك الصفات  الجامعة للحبيبة… عشيقة وخليلة…  وبوصلة دروبي المعلّقة
تعالي بلا توجس… ننصت إلى همس الأشجار…. ونرصد النجوم ونتسلى

رفاق الأمس
حضرني غيابكم وكانت فرصة فتحت أبواب الذاكرة والذكريات.
معكم صرختُ في الوادي وغنيت في الشوارع. معاً ضحكنا وعبسنا. ومعاً ناضلنا واستقلنا وأمسينا أفراداً كلٌ في غييهِ يَقبعُ
عَبثت الغربة بالعهود والاواصر والأحلام… فأخذنا نبحث عن ذواتنا على ضفاف تقاطع الحضارات وفي سوق الانفصامات. وصرنا نبتاع خلطات الثقافات والعادات.
واستعصت أحوال على علماء النفس والاجتماع بعد أن استشرت الفرداوية وامتزجت بالحسرة الجماعية وبات واحدنا يعالج ضجيج حنينه في السرّ
كأن تدجيناً سرى… أحال الذلّ قوتاً يومياً  تشغلنا مقاومته عن الرؤية
وكأن الكلمة باتت بلا معنى ولا مبنى ولا   تشفي الغليل

أثبت اللبنانيون أن مصلحتهم واحدة وأن وحدتهم الوطنية هي التي تبلسم الجراح. وبعد حربٍ استهدفت البشر والحجر والأحلام والذكريات، جاءت مشهدية العودة الى البيوت مفرحة وتثلج القلوب. فهي علامة تشبث بالأرض وبالصمود حيال عدو يعرفه أهل الأرض جيداً. فالشعب النازح يعود بسرعة ولهفة ويثبت مرة أخرى أن كرامته فوق أي اعتبار وفوق أي دمار.   

لكن المسؤولية عظيمة على القوى السياسية قاطبة بأن تنتقل بسلوكها نحو المواطنية الصالحة التي تبني المؤسسات الجامعة. عليها، أن تدفن منطق حماية مصلحة « جماعِتنا » إلى غير رجعة. وأن تعمل بروحية وطنية لإنقاذ لبنان مما هو فيه. وأن تقوم بمراجعة عميقة للسياسات السابقة. بأن تتجه مثلاً لتعزيز رفع العلم اللبناني الواحد لا الأعلام الفئوية. ولنقول أن لبنان الوطن أكبر من طوائفه.

ومن باب المسؤولية الوطنية أن ترتفع الأصوات المؤمنة باستقلال لبنان الحقيقي وبضرورة بناء الدولة المواطنية العادلة التي تكون على النقيض من مشروع اسرائيل الاحتلالي والمنغلق على عنصريته. وأن يشتغلوا سياسة بالمعنى النبيل للعمل السياسي الذي يهتم بشؤون الحياة اليومية وحقوق المواطنين في الصحة والتعليم والعيش الكريم، والذي يتعامل مع اللبنانيين بصفتهم مواطنين لا كرعايا في طوائف ينغلقون داخل العصبيات الأهلية. 

بمثل ذلك يخرج الوطن من قدرية انتظار التسويات الخارجية إلى ابتداعها.

Facebook le 27 11 24