mars 28, 2025

أسئلة في العلاقة مع الموسيقى

Spread the love

الموسيقى هي فن الألحان. والألحان تقوم بعد أن تنتظم الأنغام وفق ايقاعات وأوزان. وهي لغة غير عنصرية تعرفها مختلف الحضارات منذ بزوغ البشرية، وتستخدمها المجتمعات في الأفراح والأتراح لتعزيز الروابط الانسانية وتلطيف الأجواء الاجتماعية    

يسمع الإنسان الموسيقى وهو جنين، يتأثر بها، يلتفت ويتفاعل مع أصواتٍ بعينها قبل ان يبصر النور. ويستجيب الطفل الصغير مع النغمات البسيطة، فيستحسن التناغم ويمتعض من التنافر، ويستطيع تمييز نغَمتين وملاحظة فوارق السرعة في اللحن. حيث تصير مناغاة الأمهات ذات الإيقاعات الموسيقية السهلة أول لغات التواصل.

لا تؤثر الموسيقى فقط على البشــر بل أيضاً على الحيوانات والنباتات. فعند تجربة الموسيقى الكلاسيكية على أبقار هولندية، لوحظت الزيادة في انتاج الحليب والتحسن في رشاقتها، كما ساهمت الموسيقى في ازدهار حقول الشوفان،ها وتعاظمت مِنعتها.

فلاسفة قالوا
ًأكد العديد من الفلاســفة على أن الموسيقى تتجاوز كونها وسيلة للتسلية أو لتلطيف الأجواء الاجتماعية، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالروح الإنسانية وتساهم في تقويتها . وقد وصفها جبران خليل جبران بأنها «كالمصبــاح تطرد ظلمة النفس وتنير القلب فتظهر « . . أعماقه »، كما اعتبر أن الألحان تمثل « أشباح الذات الحقيقية أو أخيلة المشاعر الحية  
تُعتبر الموسيقى أرقى الفنون لأنها الأكثر تجريدًا، ولها علاقة وثيقة بالفلسفة، حيث تدخل في حوار مع المخيلّة وكأنها تُتمِّم النقص الذي يشعر بها الإنسان داخلياً أو في محيطه،وفقاً لأرسطو. أما أفلاطون فقد اعتبر أن « الموسيقى تعطي روحًا للكون، أجنحة للعقل، وطيرانًا للمخيّلة وحياة لكل شيء…». من جهة أخرى ، وصفها جان جاك روسو بأنها « فنُّ ترتيب الأصوات بطريقة ترضي الأذن ». وكان الفارابي قد صنّف المقامات المختلفة للموسيقى وفقًا لتأثيراتها على روح الإنسان. واعتبر ابن سينا « أن كل لحن مؤلف من  » ترتيب متناغم، له تأثيرٌ عميق في نفس الإنسان… »

وتتميّز الموسيقى عن باقي الفنون كون وجودها يحتاج الى أَلآت عزف تُترجم النوتات الى أنغام. فالناس تستشعر وتتفاعل مع الأدب والنحت والتصوير والتمثيل بدون وسائط وبشكل مباشر، بينما الموسيقى تحتاج إلى واسطة آلة العزف.

في كيفية السمَاع 
الموسيقى تداعب العقول بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث أن النغمات الموزونة تصيب وتؤثر في الوجدان. لذا تُعتبر الأذن بمثابة مصدر لحاسّة الخيال. فعندما تَفتح أبوابها للموجات الصوتية، تُحدث اضطراباً حسّياً في قنوات الأذن الداخلية فينفذ سحرها الداخلي، وتتحفز العديد من مناطق الدماغ في آن واحد. وتُجرى عمليات سريعة ومعقّدة تودي إلى افراز العديد من المواد التي تعزز الشعور بالمتعة (الدوبامين) والمهدئة للأعصاب (السيروتونين) والمخففة للآلام (الاندورفين). فيتعين على الدماغ تحليل الإيحاءات وترجمتها إلى مشاعر.
وفي قشرة الدماغ منطقة مختصة بالإدراك الموسيقي. وإذا كان الإحساس السمعي مزعجاً للأذن فهو ضوضاء تنتج عن وتيرةٍ الترددات الصوتية المتنافرة وغير المنتظمة، ما يجعل من الصعب على الأذن استساغتها.

فوائد علاجية
 منذ القدم، ساد اعتقاد راسخ بفائدة الموسيقى لصحة الإنسان. واُستخدمت كمُكّملٍ علاجي للعديد من الأمراض. وفي الوقت الحاضر، تُخصص العديد من المنتجعات الصحية الحديثة قاعات خاصة تبثُ أنواع الموسيقى الهادئة. وتُشجع الحوامل على الاستمتاع إليها بشكل منتظم، بعد أن ثَبُتَ أنها تساعد في تطوير دماغ الجنين. كما ثَبت أن للموسيقى تأثيراً إيجابياً في تحسين القدرات اللغوية والأدبية للأطفال، وفي تعزيز تقبلهم لعلوم الرياضيات…
واستخدم الأطباء الموسيقى في علاج الصدمات العاطفية والنفسية من أجل تقليل التوترات العصبية وتحسين مزاج مرضى الإكتئاب والزهايمر وباركنسون، كما تُعد مفيدة للأشخاص الذين يجدون صعوبة في التواصل الاجتماعي وخاصة المصابين بالتوحد. لكن للأسف، تمّ استخدامها أيضاً من قبل بعض الأطباء الساديين كوسيلة للتعذيب داخل السجون

ماذا عن  الحسّ الموسيقي؟
الحسّ الموسيقي هو قابلية الشعور والتفاعل تجاه النغمات ، وهو قدرة فطرية ومكتسبة في آن واحد. وتختلف من شخص الى أخر. يتشكل هذا الحسّ في مرحلة مبكرة عند الفرد، ثم يتغذى بالعاطفة والتشجيع من الأهل والمحيط ليُصقل مع مرور الوقت من خلال التجربة والتعلّم، مما يؤدي إلى بناء ثقافة موسيقية.
الشخص الذي يمتلك هذا الحسّ الموسيقي يستمتع باللحن ويُصغي إليه بتركيز عالي لكي يُدرك مواطن الجمال الكامنة خفاياه. ومن خلال تكرار الاستمتاع، يسعى إلى فهم التركيب الداخلي للعمل الموسيقي. أذنُه الحساسة التي تشبهُ الحاسة السادسة، تمكنه من التعرف إلى الارتجالات الموسيقية، والنغمات غير المتناغمة، وفك رموز النوتات الموسيقية، كما يُدرك قيمة الألحان الحِسان التي تثير العقول كما يفعل الغيث بالأرض المزروعة.

نستنتج أنه من الأسهل تطوير الأذن الموسيقية وتنمية الحس الفني في الطفولة. يجب علينا أن نعمل على تعزيز قدرة الطفل على الإحساس بالإيقاع وضبطه، فذلك يُعد المفتاح السحري لتعلم الموسيقى. كما تقع على عاتقنا مسؤولية التشجيع في كل ما يتعلق بالغناء والعزف. وإذا كانت بعض قدرات الحس الموسيقي موجودة بالفطرة لدى بعض الأفراد، إلا الجميع قادر على اكتسابها من خلال التدريب والممارسة. 

ونود أن نسألكم : هل يمكن تصوّر الحياة من دون موسيقى؟